كان تواجدى بقاعة( جاليرى مصر الخاصة ) بحى الزمالك الشهير .والذى كان يستضيف كوكبة من فنانى ومثالى مصر المعاصريين هو يوم حاسم وفارق فى إنجذابى نحو أعمال الرائع / خالد زكى والتى باغتتنى ما أن أصبحت داخل القاعة بذلك الوابل من الأحاسيس والمشاعر الممزوجة بالمتعة والإعجاب والذى أستند بداخلى على خلفيتان لا ثالث لهما وهما رصانة فن النحت العتيق تاريخيا وعشقى المفرط لحالات الصوفية الحقيقية ووجدتنى أتمايل داخليا من جراء نوعين من الإيقاع يعكس كلاهما مشهدا مزدوجا كان أولهما قفزا فى خيالى مشهد المثال المصرى الأسطورى تتموزى أو( تحوتمس ) وضربات إزميله على تلك الكتلة من الحجر الجيرى ليخرج لنا رائعته الشبه نصفية لوجه الجميلة ( نفرتيتى )..والثانى كان لهيام إبن الرومى ودورانه المتهادى بعد وقفة إصغائه الطويلة لإيقاع طرقات صناع نضار الذهب . ليؤسس لطقس المولاوية الشهير..
وكنت أذكر اسم خالد زكى من عرض إستضافته قاعات مركز الجزيرة الواقع بقصر النبيل / عمرو ابراهيم بالزمالك قبل عام 2002 على ما أذكر وكان عرضا لافتا لانتباهى لمجموعة من المنحوتات يغلب عليها التجريد والإزاحات المحسوبة والصياغة الجيدة والتى نفتقر اليها فى معظم منحوتات فنانينا إما لعدم إهتمام الفنانين بأهمية تلك الناحية أو لضعف الإمكانيات المادية التى تحد كثير من مبدعينا... وصممت على رؤية المزيد والمزيد من أعمال خالد زكى والتى ظلت عالقة فى ذهنى بشكل كبير إلى أن تعرفت عليه وزرته فى مرسمه لأجدنى أمام عدد من أعماله التى صادفت كثيرا مما وقع فى إنطباعتى الأولى عنها ..كتل متراصة ..تتسم بالشموخ والكبرياء والثقل والرصانة مسحات الشجن لا تخلو منها قطعة روح من التعبيرية المهندمة والتجريد المقروء إختزالات مفرطة دون إنتقاص من المضمون بل تلعب دورا رئيسا فى دراما الكتلة وتتيح للمتلقى أن يطرح ما يريده من إستفسارات بل تتيح له أيضا أن يضع ما يهوى من إجابات وهيام من قبل الفراغ بما تشغله الكتلة من جسده وحيزه بساطة غائرة فى عمق التعقيد تفاصيل دقيقة لكتلة ضخمة وحذف موظف لتفاصيل غير ضرورية زادت من غموض العمل .بروز للأنامل من الجسد عباءات تستر تحتها حكايات تعدد الإرتكاز وتأرجحه فى مسطح التلامس بين الكتلة والقاعدة فتارة هى فى أضيق حيز ربما وأقل مساحة لتعبر عن رقة المفهوم داخل روح الشخوص وكأنهم عاتبين ومعلنين رغبتهم فى الرحيل والمغادرة إلى عوالم أفضل وتارة يأخذ الإرتكاز حيزا أكبر مما ينبغى لمثل كتلته ولكن دون التشويه والترهل . ربما أرادت فيه شخوصه إعلان الإمتلاك وفرض التواجد وإستعمار الفراغ حتى فى صياغات البرونز إتخذت شخوص تماثيله أجواء غائمة ذات دفئ كتلك التى نشتاق اليها فى أيام الشتاء الباردة...
إستوقفتنى كثيرا تلك الحلول التى عالج بها خالد زكى تمثال (الصوفي) والتى أصاب بها صميم فكر ومفهوم جلال الدين الرومى فجعل إرتكاز كتلة الدرويش الزاهد الباحث عن ذات إلهه والعازف عن دنياه فلا يأخذ من عالمه سوى ما تحتاجه نفسه وذاته وحتى حجمه فارتكز على نقطة محدودة تتماس مع الأرض عند محيط نصف الدائرة التى مثلت نهاية ردائه والتى إختزل فيها خالد زكى ما سطره غيره فى صفحات محاولا شرح وتفسير فكر وصوفية الرومى...
ويداهمنى هنا سؤال هام ...ماذا لو ان خالد زكى بعد ان امتعنا باسلوبه فى استخدام تلك الطقوس الحازمة وأخرج لنا تلك الروائع ..ماذا لو اطلق العنان لأنامله المبدعة التى حولت الطقوس إلى متعة بصريه محمومة بالفكر والمفاهيم ..وصالح شخوصه المهمومة ليبدل شجنها أو ألبسها رداء الحرية التى تطوق إليها أعتقد أننا سنشهد منه إبداعا يدعونا للبحث عن مفردات خاصة لوصفه..
ولا يسعنى إلا أن أفتخر بأننى عاصرت نحاتا مثل خالد زكى ونهل بصرى من إبداعه وأطروحاته التى تأخذنى إلى عوالم إستثارة الذهن وحرية الروح فأجدنى أتأرجح مع منحوتاته بين (إبداع تتموزى وصوفية إبن الرومى)
ياسر جاد