يشتغل النحات المصري خالد زكي في معرضه "في رياح كانون الثاني" الذي يستضيفه غاليري آرت سبيس في دبي على واحدة من الموضوعات التي لا يتوقف الفن عن طرحها، والمتمثلة في الرؤية الجمالية للشكل الآدمي، وقدرته كتكوين جمالي على حمل الدلالات التي يريد الفنان إيصالها .
يقدم زكي في معرضه الذي يتواصل حتى 27 إبريل/نيسان المقبل، مجموعة من المنحوتات المتفاوتة في الأحجام والخامات، فيعيد البحث في جماليات الشكل البشري، منطلقاً بذلك من قدرة الوجه وتكوين الجسد على حمل تعبيرات وتأويلات عديدة تختزل مفهوم الزمن وعلاقة الفنان مع الوجود .
يطرح زكي عبر سلسة أعماله نماذج مغايرة لصورة الإنسان يظهر فيها جهده البحثي وعلاقته الطويلة مع خامات عمله العنيدة، إذ لا يقدم الصورة المألوفة لشكل الإنسان، بل يقدم منحوتاته بتكوينات تعبيرية مرة، وتجريدية أخرى، تتماهى فيها تفاصيل الجسد من الحجر والرخام، فتظهر منحوتاته وكأنها امتداد لانسيابية الرخام وحدة الحجر .
وينكشف جهد الفنان البحثي من خلال قراءة شخصيات أعماله، إذ تظهر في بعض المنحوتات خصوصية المكان الذي ينتمي إليه، فيقدم شخصية الراقص المتصوف بثيابه الفضفاضة، وحركته الدائرية، مشغولاً بخامة البرونز، كاشفاً بذلك عن علاقة طويلة مع المعدن .
ولا يكتفي زكي في فتح مساحة شاسعة على الشكل الآدمي وحسب، بل يحمل في كل منحوتة من أعماله تفاصيل هادئة وتعبيرات يمكن قراءاتها بتأويلات عديدة، فيعنون بعض الأعمال بعناوين تعمق الفكرة التي يمضي فيها، ومنها، "الاستماع للسماء"، و"رجل في النار"، و"امرأة في ثوب أسود"، وكأنه يفرض رؤيته والحالة التأملية التي يشتغل عليها، مشكلاً بذلك علاقة بصرية نصية بين العمل والمتلقي .
في العمل "الاستماع إلى السماء" يقدم الفنان نصف وجه بارزاً في كتلة رخامية منسابة، تظهر فيها أذن بشرية تتجه للأعلى، وكأن زكي اختزل تكوين الشكل البشري بتفاصيل صغيرة من الوجه، ليعلن علاقة الإنسان بالغيب، والتواصل المفتوح بين الأرض والسماء . سلسة من العلاقات يتوقف عندها الفنان بقدرة عالية على الذهاب في التجريد والاختزال إلى أقصى حد، إلا أن اختزاله لا يأتي على حساب الفكرة التي ينشغل بها، بل على حساب الكتلة النحتية التي يوظفها .
ليس ذلك وحسب بل يكشف زكي في منحوتاته عن علاقته مع اللون، إذ لا يقدم أعماله كغيره من الفنانين الذين يكتفون بلون الخامة التي يشتغلون عليها، بل يمزج بين خامات عديدة، ليكمل مشروع عمله بصرياً، فيقدم أعماله بالرخام الأبيض، والحجر الأحمر، الأسود، مضيفاً إلى المنحوتة مزاجاً يتماس مع اللوحة المسندية .
ويظهر هذا الأثر في "رجل في النار" حيث يعمل زكي على حجر أحمر، تبدى فيه الجسد في المنحوتة، ولون الرأس واليدان بالرخام الأبيض، وكأن الفنان يحمّل اللون الأحمر دلالة النار، ويدخل المنحوتة إلى أقصى حد من الدلالة .
دبي - محمد أبو عرب: